وثانيها وهو للأول تبع: أنه لا يخرج عن سنة الله الكونية أمة ولا حال، مهما تقادمت الدهور أو تأخرت العصور، مهما طغى من طغى أو أوتي من العلو في الأرض والعتو عن أمر الله، فما الحضارات المتعاقبة إلا قرون أو قرى تجري عليها السنة التي لا تبديل فيها ولا تحويل.
وما أمريكا إلا قرية من القرى التي أسرفت على نفسها بالمعاصي، كما فعلت عاد وثمود وقرون بين ذلك كثير، فأحلّ الله عليهم سخطه، وأنزل عذابه، فما أهون الخلق على الله إذا عصوه وتعرضوا لانتقامه ((فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا))[العنكبوت:40] وترك الله مساكنهم داثرة، وآبارهم معطلة، وقصورهم مشيدة، وخاطبهم حين ولوا مدبرين ((لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ))[الأنبياء:13] ولكن هيهات! فقد جعلها الله أنقاضاً وركاماً لتكون حسرة عليهم في الدنيا قبل الآخرة، والعجب كل العجب من حلم الله على هذه الأمة الطاغية، التي جمعت بين جبروت عاد، وعدوان ثمود، واستكبار فرعون، وخبائث قوم لوط، وتطفيف أهل مدين، وضمت إلى ذلك مكر اليهود، وحرصهم على حياة، وتلاعبهم بالألفاظ، وتـزكيتهم لأنفسهم على كل أحد سواهم، فماذا ينتظر الناس لهذه الأمة إلا أن تحل بها سنة الذين خلوا من قبل، وأن تتابع عليها أيام الله؟! ولا غرابة أن يقول قسيسها الكبير: ''هذه هي البداية فقط!!''.
أما أنا فأقول: إن لم يدمرها الله كلَّها فلحكمة عظيمة يعلمها، وهي أنه سيخرج منها من يعبده ولا يشرك به شيئاً وما ذلك على الله بعزيز.
على أن الانتقام الرباني ليس له حدود ولا لصوره نهاية: (( وَمَا يَعْلَمُ جُنُود َرَبِّكَ إِلَّا هُوَ ))[المدثر:31]
مثال: هاجم الأمريكيون الأوائل الهنود الحمر في بلادهم، وشنوا عليهم حرب إبادة تعد وصمة عار في تاريخ أمريكا إلى الأبد، والآن يَقْتُلُ الهنودُ من الأمريكيين سنوياً 300.000 إنسان!! كيف؟ يقول ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة:
"لقد تعلم المستعمرون الأوربيون من الهنود البدائيين شرب هذه الشجرة الخبيثة "الدخان" فاستطاعوا بذلك الانتقام من عدوهم بما عجزت عنه سهامهم انتقاماً دائماً". دع عنك "الإيدز" والقلق النفسي والكساد وفساد ذات البين!!